تنمية رواية القصص لدى الأطفال- الجزء الثاني

فى الجزء الأول من المقال، استعرضنا ما ذكرته الكاتبة سوزان إنجل، وكيف استطاع صغيرها رواية قصة وهو بعمر العامين والنصف، حيث أوضحت أن القصة يكون بناؤها أسهل لدى الطفل إذا كانت مرتبطة بخبراته الخاصة.

وفي هذا الجزء أستكمل معكم هذه الجولة المعرفية حول كيفية تنمية مهارة رواية القصص لدى أطفالكم. 

مراحل تكوين الطفل للقصة

المرحلة الأولى

في هذه المرحلة يكون الأطفال منتبهين ويستجيبون لحكايات الوالدين؛ فهم لا يراقبون وجه أمهم فقط عندما تروي قصصا عن تجاربهم الشخصية، ولكنهم أيضا ينطقون أصواتا، وقد يكررون كلمة ما، كطريقة لإظهار اهتمامهم، والتفاعل والاستجابة لمشاعرهم وعواطفهم. التفاصيل المألوفة قد لا تكون مثيرة للاهتمام لأي شخص بالغ أمضى الكثير من الوقت مع نفس الطفل، لكن الأطفال يحبون سماع القصة نفسها مرارا وتكرارا.

المرحلة الثانية:

في مرحلة لاحقة يبدأ الأطفال بالمشاركة وإضافة عناصر إلى القصة، مع أخذ دور أكبر من مسؤولية التأليف.  مثلا، تعرض الأم على طفلتها صورة التُقِطت لهما في الحديقة تحت الشجرة وتقول: هل تذكرين عندما ذهبنا في النزهة؟ تجيب الصغيرة: نعم، أتذكر! فتقول ماما: وأحضر لنا بابا الأيس كريم؟ فتضيف الصغيرة: لقد كان لذيذا. تقول الأم: وتساقط على وجهك. تضحك الفتاة وتقول: وأخذت ألعقه بلساني! لقد كان أيس كريم بالمانجو. وهكذا تبدأ الصغيرة بسرد بعض التفاصيل وتخيلها، والإضافة إلى ما تقوله ماما.

المرحلة الثالثة: 

وأخيرًا، في الوقت الذي يبلغ فيه الأطفال سن 3 أعوام، يمكنهم أن يخبروا القصة بأكملها بأنفسهم، أو يبدأوا أو يكملوا قصة حول أحد الوالدين  والتي لا يعرفها الوالدان أصلا.  في عمر الثالثة تكون لدى الأطفال فكرة جيدة عما يعنيه سرد القصة، والمتطلبات الأساسية للقصة.

اختلافات فردية بين الآباء والأمهات

لا يقوم كل الآباء والأمهات بحكي قصص لنفس الأغراض أو بنفس الأسلوب؛ فما هي الاختلافات الفردية التي وجدناها في الطريقة التي يحكي بها الآباء والأمهات القصص؟

بعض الأمهات يتحدثن كثيرا عن الماضي مع أطفالهن الصغار، ويقمن بإخبارهم قصصا جميلة عن الماضي، تتضمن العديد من التفاصيل، ويأخذ الوالد والطفل العديد من المنعطفات الصوتية في وصف التجربة المشتركة  وربما الأكثر إثارة للاهتمام. يبدو أنهم يتحدثون عن الماضي لأي سبب آخر. ربما لأنه شيء ممتع، ومن الممتع تذكُّره معًا.

على سبيل المثال، يشير الطفل إلى زهرة في إناء على الطاولة. تقول الأم: أليست زهرة جميلة؟ أتذكر عندما اخترنا تلك الزهرة؟ خرجنا إلى الميدان. كان العشب مبلَّلًا، وكنت تريد خلع حذائك. هل تتذكر ماذا اكتشفنا هناك؟

من ناحية أخرى ، يبدو أن بعض الأمهات وأطفالهن الصغار يشيرون إلى الماضي بشكل نادر إلى حد ما؛ فقد تحكي الأم قصصا قصيرة، مع القليل من المنعطفات الحوارية  والتفاصيل القليلة.


فوائد متنوعة

وجدنا أنه عندما يبلغ هؤلاء الأطفال عمر 3 سنوات، تكون الذكريات أكثر قدرة على المساهمة بمعلومات جديدة في المحادثات حول الماضي، والحفاظ على استمرار المحادثات لفترة أطول.

وقد اتضح أن سرد القصص هو أقوى مؤشر على معرفة القراءة والكتابة؛ حيث أظهر جوردون ويلز في دراسته الرائعة، أن أولئك الذين تحدثوا وسمعوا قصصًا في المنزل قبل سن 4 سنوات، كانوا هم الأكثر احتمالا لتعلم القراءة واتقانها عندما وصلوا إلى سن المدرسة.

لذا، يمكن القول إن سرد القصص أمر أساسي، وربما كان النشاط الأساسي للبشر؛ فهو يقدم عددا لا يُحصى من الفوائد للطفل الصغير. وتسمح القصص للأطفال بالتعرف على ثقافتهم، وهي أيضًا بمثابة جواز السفر للتعرف على الثقافات الأخرى. 

يحكي الأطفال القصص كطريقة لحل الألغاز العاطفية والمعرفية والاجتماعية، ولحل المشكلات والتعريف بالاهتمامات. ولعل الأهم من ذلك، أن سرد القصص يُنمِّى ما يطلق عليه الذكاء التراكمي المتطور للطفل، وذلك عندما نحكي قصصًا عن أنفسنا باستخدام العديد من الألفاظ المختلفة التي تظهر في السياق.

تعزيز رواية القصص في السنوات الأولى للطفل

قد يسأل المرء: إذًا، ما الذي يمكننا القيام به لتعزيز سرد القصص خلال السنوات الأولى من حياة الطفل؟  هناك ثلاثة أنواع من التجارب التي تعزز قدرة رواية القصص خلال السنوات الثلاث الأولى للطفل.

  • الحوار والاستماع

لا بد من وجود حوار من خلال المحادثات سواء كانت طويلة وقصيرة، مع البالغين أو غيرهم. والتحدث عن الماضي والمستقبل، حتى قبل أن يتمكن طفلك من القيام بذلك من تلقاء نفسه. 

ويمكن أن تكون المحادثة المستمرة سلعة نادرة ولكنها ممكنة، سواء كان ذلك أثناء تناول وجبة الإفطار مع ثلاثة من الأشقاء، أو وقت اللعب؛ كإجراء محادثة تتضمن أكثر من ثلاثة أدوار (شخص يتحدث، ثم يتحدث الآخر، ويتحدث الشخص الأول مرة أخرى). 

كما أن الاستماع بانتباه إلى قصص الطلاب والمرضى والأطفال ليس له تأثير قوي على خبرتهم في سرد ​​القصة فحسب، بل إنه مصدر لا يقدر بثمن للتعرف على  تجربة طفلك واكتشافها.

  • الحديث عن الماضي والمستقبل 

يحب الأطفال الذين لا تقل أعمارهم عن 16 شهرًا أن يسمعوا عن ماضيهم وعن خطط المستقبل، سواء كان ذلك ما قد يفعلونه في وقت لاحق من ذلك اليوم، أو عن عطلة قادمة في نهاية الشهر.

  • استماع ومشاركة مجموعة واسعة من القصص

فكلما ازداد ثراء أساليب سرد القصص التي يتعرّض لها الطفل، ازدادت إمكانياته لتنمية صوته الروائي القوي، وهو يعكس مجتمعه وأسرته وحياته الداخلية.


وفي الختام، تطرح عليكم مكتبة “نوري” السؤال التالي: ما الأساليب التي تفضلون اتباعها لتنمية مهارة رواية القصص لدى أطفالكم؟


لمزيد من المعلومات، يمكنك الاطلاع على هذا المصدر.