تجربتي مع القراءة لأطفالي في زمن كورونا

أحب القراءة مع أبنائي ولهم، وحينما وجدنا أنفسنا ملازمين للمنزل لأول مرة لفترة طويلة بسبب جائحة كورونا، كانت القراءة متنفسًا جيدًا لنا جميعا، ومفيدة جدّا لإعداد أصغر الأبناء لخوض تجربة مقابلات المدارس.

شعر الولدان الكبيران (13 و12 عامًا) أنهما قد حصلا على عطلتهما الصيفية، ولم تكن خطط الدراسة عن بعد واضحة أو مواكبة للظروف الجديدة، كما أن الخروج في نزهات فعل غير مأمون العواقب؛ لذا بات عندهما الكثير من وقت الفراغ يقضيانه داخل المنزل، وهذه فرصة مثالية– من وجهة نظرهما-  للعب بالهاتف المحمول وقضاء الوقت مع الـ”بلاي ستيشن” ومشاهدة التلفاز.

تغيّرات ملحوظة.. ودراسات تحذر

عندما تركت طفليَّ فترة يفعلان ما يريدان من لعب متواصل ومشاهدة البرامج المختلفة، اكتشفت ما طرأ من تغيُّرات سلبية سريعة عليهما أزعجتني جدا؛ انعزال، تذمر مسموع من حين لآخر بسبب سوء الاتصال بالإنترنت، عصبية زائدة بسبب وجود لاعب في مكان ما بالعالم– في فريقهما أو في فريق منافس- يلعب بشكل سيء ويدفع بهما للخسارة، واكتئاب وعصبية وتوتر!

التغيرات التي طرأت على سلوك طفليّ تؤكدها نتائج الدراسات؛ ففي دراسة صادرة عن جامعة آيوا الأمريكية عام 2019، تم خلالها اختبار حوالي ثلاثة آلاف طالب من سنغافورة ما بين طفل ومراهق لمدة ثلاث سنوات، خلص الباحثون إلى أن أفراد العينة المختبرة الذين كانوا يمارسون ألعابًا اليكترونية لفترات أطول، يظهرون تركيزًا أقل، واندفاعًا أكبر في ردود الأفعال، وعصبية شديدة.

وتوصل القائمون على الدراسة إلى أن التعرض لتلك الألعاب، وإن لم يسبب اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، فإنه قد يعقد ويعمق مشاكل التركيز الموجودة فعلًا لدى بعض الأطفال والمراهقين.

وفي دراسة أخرى نشرتها جريدة كندية في 2019، استهدفت الأطفال في عمر 9 إلى 10 سنوات؛ لدراسة تأثير الشاشات، بما يتضمنه ذلك من مشاهدة التلفاز، والتواجد على مواقع التواصل الاجتماعي وممارسة الألعاب الإليكترونية، خلص الباحثون إلى أن الأطفال لا يتأثرون بشكل متماثل، وإنما بعضهم يظهر عنفًا، والبعض الآخر يميل إلى كسر القواعد، ويصاب بعضهم بالقلق، أو ينعزلون اجتماعيّا وينفصلون عن الواقع، ولا يحصلون على نوم جيد، وقد يصابون بالاكتئاب.

قرارات حاسمة

أمام هذه التغيّرات في شخصيتهما، قلت لهما إننا سنعود للقراءة بشكل منتظم، وسيقرأ كل منهما قصصًا أو كتبًا من اختيارهما، وسأقرأ معهما رواية طويلة كما اعتدنا، ولن يأخذا هاتفيهما أو يسترخيا أمام التلفاز إلا بعد أن يقوما بالقراءة وإعداد مراجعة لما يقومان بقراءته.

تركت لهما حرية اختيار القصص الطويلة أو القصيرة المصورة، شريطة أن تناسب الأخيرة عمريهما. سأتسامح إذا كانت الكتب موجهة لعمر أصغر قليلا، بعام أو اثنين، لكنني لن أحتسب بالتأكيد قصص أخيهما الأصغر (4 أعوام)، ومن ينتهي أولًا من المطلوب يتسلم هاتفه لوقت قصير، على أن نجتمع ليلا لقراءة الرواية المختارة.

كانت تجربة مثمرة اكتشفا خلالها العديد من الكتب، واستمتعنا بفنون الرسم المختلفة المستخدمة داخل الكتب. قرأنا جميعا؛ لأنني كنت أقرأ بعدهما ما يختارانه من قصص، وأصبح لكل واحد منهما تفضيلات في القراءة، كما صار هناك تواصل أكثر فيما بيننا.

القراءة لطفلي الصغير

أما القراءة لطفلي الأصغر فقد كانت قطعًا الأكثر تسلية وإمتاعا لي وله؛ فالقصص بسيطة وأفكارها مفرحة دوما. القراءة له تكون جهرية بسبب سنه الصغير، وما يستلزمه ذلك من تقمُّص للشخصيات وتغيير الأصوات، كما أن القراءة معه وله ليست فقط للتسلية وإنما للتعلُّم أيضا، حيث نتعلم عن الحيوانات والطبيعة والأرقام والألوان والأشكال، ما ساعده لاحقا في اجتياز مقابلات دخول المدرسة.

ليس هذا فحسب، بل وتوجد لدينا مجموعة كتب اخترتها بعناية للقراءة قبل النوم مباشرة، وتلك الكتب  تريح أعصابي أنا شخصيًّا؛ لبساطتها، وجمال أفكارها ورسوماتها.

تنشئة جيل قارئ مثقف

لو أن هناك ما أنصح به أيّ أم فسيكون تنمية هواية القراءة عند أطفالها، لما لها من أثر جميل؛ فقد أجمع التربويون والمتخصّصون في شئون التعليم، أن الأطفال الذين يقرأ لهم الأهل قبل دخولهم المدرسة، تكون لديهم حصيلة لغوية ممتازة، وتصبح لديهم قدرة على التعبير عن احتياجاتهم، وبمرور الوقت، مع الحفاظ على عادة القراءة، يكونون أكثر قدرة على فهم المواقف المختلفة والتفاعل معها، وإبداء التعاطف، وتقبل الاختلاف، كما تكون لديهم ثقة بأنفسهم وقدرة على إبداء الرأي فيما يخصهم من موضوعات، ويصبحون أفضل دراسيّا من أقرانهم.