الصحة النفسية للأطفال  

ينشغل الآباء والأمهات بكيفية المحافظة على الصحة النفسية لأطفالهم، والبحث عن السُّبل التي تسهم في جعل شخصياتهم سوية متطورة، إضافة إلى فهم احتياجات أطفالهم ليعيشوا حياة مستقرة.

وكما نعلم، فالصحة النفسية تعني التوافق والتكيُّف والقدرة على مواجهة المشكلات والأزمات والتغلُّب عليها. ويجب الاهتمام بالصحة النفسية للطفل، والتي تعتبر نتاج معطيات ومحصلة واقع وراثي وبيئي واجتماعي وتربوي، وممارسات ذاتية، واكتساب الطفل لخبرات ومهارات، وما يعانيه الأطفال من إحباطات وحرمان بأشكاله المختلفة، إضافة إلى ضغوطات، وعدم إنصاف، وعدم تكيُّف، وتجاهل لذاته وخصوصيته، وإنكار لرغباته وحاجاته.

وإذا كان الرضيع أو الطفل يتعرَّض لكل هذه الضغوطات المختلفة أو لبعض منها، فإنه- ولا شك- سوف ينتج عن ذلك تعرُّضه لبعض المشكلات، والتي تتحول إلى اضطرابات وأمراض نفسية. 

الأمن النفسي للطفل

يُعتبر الأمن النفسي أحد أهم الحاجات المهمة للإنسان، حيث يمتد ليبدأ من طفولة الشخص، والأم هي المصدر الأول لشعور الأطفال بالأمن، وحاجة الطفل إلى الأمن النفسي تأتي بعد حاجاته الفطرية الأولوية التي تعينه على تطوير قدراته الشخصية. 

وكما أوضح عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو، والذي اشتهر بـ”هرم ماسلو للحاجات”، فإن الإنسان يعمل من أجل تحقيق خمس حاجات رئيسية هي: (تحقيق الذات- التقدير- الاحتياجات الاجتماعية- الحاجة للأمن- والاحتياجات الفسيولوجية). 

الحياة النفسية للطفل


تبدأ الحياة النفسية عند الطفل من الشعور واللاشعور. وقبل الدخول في شرح هذا الموضوع، لا بدّ من توضيحه من منظور الكبار. عندما يتأمل أحد منَّا نفسه من الداخل، وهنا أشير إلى الشعور الباطني، وهو حالة يقظة للعالم المحيط به، والذي يعيش فيه، فإنه سوف يلاحظ حدوث الكثير من النشاط والعمليات التي تحدث وتتكون داخل نفسه، ومثال ذلك إحساسه وإدراكه، وتفكيره وفهمه للأمور، وكذلك الإحساس بالألم أو السعادة، وهذا النوع من النشاط والعمليات العقلية هو ما يقصد به الشعور، وبالتالي يمكن أن نُعرِّف الشعور بأنه: حاصل مجموع خواطر الإنسان وإحساسه ونشاطه العقلي. 

والمشاعر والأحاسيس التي تحدث وتُفرز داخل الإنسان هي نتيجة احتكاكه واتصاله بالعالم المحيط به، ولكونه جزءًا من العالم المحيط به، وهكذا يحدث ويتطور الشعور عند الطفل كمحصلة لنشاطه العقلي الناتج عن احتكاكه بالعالم الخارجي؛ الأسرة، والمدرسة، والمجتمع والبيئة التي يعيش فيها. ومن هنا نستنتج أن شعور الطفل يتكون من ثلاثة عناصر هي: إدراك “الإحساس”، ووجدان “العاطفة”، ورغبة “النُّزُوع”. 

ولتوضيح هذه العملية الشعورية عند الطفل، فلا بدّ من شرحها بشكل مبسط، فعلى سبيل المثال، إذا رأى الطفل حيوانًا هائجًا غير مروَّض فإنه تبدأ لديه حالة الإحساس “الإدراك”، وهذا الإحساس يحرِّك العاطفة لدى الطفل ويولِّد حالة “وجدانية”، وهي الخوف الناتج عن حالة القلق من مشاهدة حيوان غير مروَّض، مع وجود احتمالات التعرُّض لخطر تتبادر إلى ذهن الطفل. وهنا يلجأ الطفل للهروب طلبًا للمساعدة  من ذلك الخطر المحتمل من مداهمة الحيوان، وأسلوب الهروب هو المرحلة الأخيرة من عملية الشعور عند الطفل، وهي حالة الرغبة أو النُّزُوع للنجاة. وعمليات الشعور هذه تحدث في وقت واحد مترابطة وليست منفصلة عن بعضها بعض.

وهنا يتولد هذا السؤال: هل تتفاوت قوة الحالة الشعورية عند الطفل؟ والإجابة: نعم، من خلال مفهومين هما: “مركز الشعور عند الطفل”، و”هامش الشعور عند الطفل”.
 

وهناك مثال بسيط ربما يحدث بشكل يومي في كل المنازل حول العالم، حيث ينظر الأب والأم إلى ابنهما وهو يلعب بإحدى ألعابه، وهنا يكون التفكير في مركز الشعور، أما ما حول الطفل من أثاث المنزل أو أشجار الحديقة، فكل هذا بالنسبة له يكون في هامش الشعور؛ لأنها لا تشغله، ولا هو منشغل بها، كما هو مع اللعبة التي يلعب بها ومنشغل بها، فيكسر الطفل شيئًا، أو يصاب بجرح وهو يلعب غير مدرك لهذا الشعور، وبالتالي يكمن في مركز الشعور عند الطفل الموضوع الجوهري الذي جعله يسلط كل تركيزه وانتباهه بشكل كلي، أما هامش الشعور عند الطفل فقد شمل الأفكار التي هي أقل بالنسبة له. 

واللاشعور يتكوَّن من المواقف والذكريات المؤلمة التي مر بها الطفل، وكذلك من الرغبات والنزعات المكبوتة التي حدثت له، والتي لم يوفَّق في الحصول عليها أو تحقيقها؛ لأن أبويه أو إخوته أو أصدقاءه أو البيئة والمجتمع، لم يمكنوه ولم يسمحوا له أن يحصل عليها أو يمارسها؛ مما اضطره إلى نسيانها بطريقة لا شعورية وكَبَتها في اللاشعور، فلم تتمكن من الظهور بشكل شعور لديه يلمسه الذين من حوله، على الرغم من كونها تظهر لدى الطفل في أثناء النوم، ومن خلال أحلامه أو زلَّات لسانه وإيحاءاته، وغالبًا ما تتحوَّل حالات اللاشعور عند الطفل إلى اضطراب سلوكي أو مرض نفسي فيما بعد.
 

ومن هنا يمكن أن نقول إن اللاشعور عند الطفل هو القوة والمعاناة غير الواضحة أو المرئية التي تعمل من وراء الستار، أو الدوافع التي تجعل الطفل يمارس السلوك، مثل الحب والكره والخوف والغضب والتبول اللاإرادي، أو اضطرابات الكلام أو النوم، أو عدم الأكل، إلى غير ذلك. وبعد تعرُّفنا على الشعور واللاشعور عند الطفل، يتبادر للأذهان سؤال جديد هو: ما هو السلوك الفطري والسلوك المُكتسَب عند الطفل؟ 

وهذا ما سوف نتاوله في المقال القادم بحول الله وقوته. 

المصادر: 

  • علم نفس النمو الطفولة والمراهقة، د.حامد عبد السلام زهران 
  • التحليل النفسي للأطفال، كلاين ميلاني