قصة قبل النوم.. عادة بسيطة وأثر عظيم

مع تسارع وتيرة حياتنا، وتزايد الضغوط والمسؤوليات على أفراد أسرتنا جميعًا، كنا بالكاد نجد وقتًا لالتقاط أنفاسنا، نلهث طوال اليوم، ونسابق الوقت لننتهي من مهمة ما في موعدها؛ كي لا نتأخر على المهمة التالية لها في جدولنا المزدحم. وقت النوم انضم هو أيضًا لقائمة المهام التي يجب أن نقوم بها سريعًا؛ كي لا نتأخر على مواعيدنا الصباحية. وجدت أسرتي داخل ماراثون لم أدرك متى بدأ ولا أعلم خط نهايته!

يستيقظ طفلي الصغير في الصباح ليفاجئني بنوبة غضب غير مبررة، ويستيقظ طفلي الأكبر متأفّفا ليخوض صراعه الخاص مع الدروس والواجبات. قلت في نفسي: إن كنت لا أستطيع أن أضمن لهم بداية جيدة ويومًا سعيدًا، فعلى الأقل سأحاول أن تكون لديهم نهاية لطيفة!

عدت إلى تلك العادة القديمة التي راحت ضحية دوامة الحياة، وقررت أن أحكي لهم قصة قبل النوم.

لطالما آمنت بمقولة “قليل دائم خير من كثير منقطع”. اتفقت معهما أنه من الآن وصاعدًا سأعتمد قصة قبل النوم كجزء أساسي ضمن روتين النوم، ومن هنا جاءني فرج الله، وقد كتبت لكم هذا المقال لأحدثكم عن نعمته.

لماذا قصة قبل النوم مهمة؟

1- انتظام وقت النوم

قاعدة بسيطة قفزت من عقلي على لساني ساعدتنا كثيرًا على الالتزام بموعد النوم دون جدال، وهي أني لا أقرأ القصص بعد موعد محدد، وبالتالي كان تنبيه بسيط أن الموعد قد اقترب، كفيلًا بأن يستعد الأولاد بغسل أسنانهم وإعداد أسرَّتهم؛ حتى لا تفوتهم الفقرة المفضلة في يومهم.

بانتظام أوقات النوم والاستيقاظ انتظمت أجزاء أخرى في يومنا، فقلة النوم كانت تتسبب في قلة التركيز، والتوتر، والعصبية، وعدم إتمام المهام على الوجه المرجو. قصة بسيطة قبل النوم كانت ذات أثر كبير في إصلاح باقي اليوم.

2- بناء علاقة إيجابية وترابط عاطفي مع الأبناء

أيّا كان عمر أطفالكم، فوقت قصة قبل النوم هو الوقت الذي يشعرون فيه بالاستيلاء على اهتمامكم الكامل خالصًا لأنفسهم، وهو الأمر الذي ربما لا يحدث كثيرًا في خضم أحداث اليوم المتلاحقة.

أنتم أيضًا تشعرون أنكم أقرب لقلوبهم وعقولهم، وتستمدون من تلك اللحظات العاطفية قوتكم لبدء يومكم التالي بنشاط وتفاؤل.

في الحقيقة، لا أستطيع التفكير في ذكرى أفضل لأبنائي من تلك الأوقات الجميلة.

3- مساحة حوار مشتركة مع الأبناء

القصة التي أقرأها لأبنائي هي جزء فقط من الصورة، وتشتمل الصورة على أجزاء أخرى أكثر أهمية، مثل التساؤلات التي يطرحها صغاري بسببها، ونقاشنا حول الأفكار المطروحة فيها، وأفكارنا عمّا تعلمناه منها، وما يمكن أن نطبقه أو نحاول تغييره في شخصيتنا وفقًا لها. أحيانًا أتعرّف على جانب من شخصية أبنائي لم أكن أعرفه حين أنصت لإجاباتهم ومكنونات عقولهم ومشاعرهم، الأمر الذي جعلني أقدر كثيرًا تلك اللحظات الثمينة.

4- زيادة الحصيلة اللغوية للأبناء

هل تعلمون أن الطفل يحتاج إلى أن يستمع إلى الكلمة 12 مرة في المتوسط قبل أن يبدأ استخدامها في كلامه؟!1

استمرار عادة قراءة قصة قبل النوم توفر لهم هذه الخبرة التي يحتاجونها لبناء حصيلة لغوية يستطيعون التعبير بها عن أنفسهم وعن العالم من حولهم. ربما إن أحصيتم عدد الكلمات الجديدة التي يتعرض لها أبناؤكم في حديثكم إليهم على مدار اليوم، فستكون أقل بكثير ممّا يمكن أن يتعرضوا له في القصص التي تقرؤونها لهم قبل النوم، وهنا ستتضح لكم صحة دعوتي.

5- تعزيز خيال الأبناء

قد لا يكون يومنا مليئًا بالمغامرة والرحلات الشيقة، ولكن يمكننا أن نعوِّض ذلك معًا قبل النوم، مع قصة مشوقة أو كتاب ساحر. تأخذنا الكتب في جولات حول العالم ونحن مضطجعون في أسرَّتِنا، تدغدغ خيالنا لألتقي بهم في عالم لا وجود له، ومكان لم نكن لنبلغه بطريقة أخرى غيرها.

6- تنمية الذكاء العاطفي لدى الأبناء وبناء شخصيتهم

أتاحت لنا تلك العادة أن نتعرّض لمواضيع حساسة تمس مشاعرهم، ومواقف صعبة تعرضوا لها، وهم يتعلمون من القصص أنهم ليسوا وحدهم الذين مروا بمثل هذه المواقف، ويعرفون كيف تصرف الآخرون حيالها، وبالتالي كيف يواجهون تلك المواقف في المرات المقبلة.

كما يتعلمون من الكتب المصطلحات التي يمكنهم استخدامها للتعبير عن مشاعرهم وحاجاتهم النفسية بدقة، بدلًا من الانخراط في البكاء، أو الاستسلام لنوبة غضب.

مات حيواننا الأليف فجأة، فكانت قصة الفتى الذي فقد حيواناته الأليفة تسلية لهم عن حزنهم، وتفهُّمًا لشعوره، وتقبُّلًا لسنن الله في كونه.

7- تشجيع الأطفال على القراءة بأنفسهم

وصلتني رسائل من بعض الأمهات اللاتي يتساءلن عمّا إذا كانت القراءة للأبناء ستجعلهم يعتمدون عليهن في القراءة، ويحجمون عن القراءة بأنفسهم.

الواقع أنهم كانوا قد أحجموا عنها بالفعل؛ بسبب زيادة مسؤولياتهم وجدولهم المزدحم كما أوضحت سلفًا، وربما كان هذا أحد أسباب إحباطي حين لاحظت اختفاء عادة قد حاولت غرسها فيهم طويلًا، ولكن بعد أن عدت إلى القراءة لهم قبل النوم، جاءتني الهدية على نحو عجيب، وهي أنهم قد عادوا إلى عادة القراءة بأنفسهم، بفضل الله.

أدركت حينها أن الطفل سيُقبل على القراءة حين ترتبط في عقله بمشاعر إيجابية وذكرى ممتعة، وحين واظبت معهم على القراءة لهم استعادوا تلك المشاعر، ودفعهم الحنين للارتواء من عذبها تارة أخرى. وتذكرت أيضًا أن أحد أهم الوسائل التي تشجع الطفل على القراءة المستقلة، هو أن يتعرض لها باستمرار في بادئ الأمر، لذلك ينصح الخبراء بالبدء في القراءة للطفل منذ سن صغيرة جدّا، وبتوفير الكتب له؛ لتصبح مألوفة لديه منذ نعومة أظفاره.

8- تنمية ذكاء الطفل

بالتأكيد سمعتم مقولة: “العقل مثل العضلات، يكبر بالتمرين”.

تبدو المقولة صحيحة إلى حد كبير من الناحية العلمية، فكلما استخدمنا عقلنا، تنمو التشابكات العصبية بين خلاياه، وتقوى الروابط الموجودة بالفعل، والعكس يحصل بعدم التعرُّض إلى مثيرات صحية، حيث تضمر تلك التشابكات، وتموت الخلايا غير المستخدمة.

أحد أفضل الوسائل التي يشجع عليها الخبراء لتنمية ذكائنا هي القراءة2. تخيّلوا كم المثيرات التي يتعرض لها أبناؤكم عند القراءة لهم؛ مثيرات سمعية وبصرية ولغوية، مثيرات تحثهم على التفكير المنطقي والناقد والتحليلي والإبداعي، مثيرات تتطلب منهم التركيز وحل المشكلات، ومثيرات للعقل وللمشاعر، كل ذلك بدون أي ضغط أو توتر، بل تحصلون عليها كجائزة إضافية لوقت ممتع تقضونه معًا.

في النهاية، لا أجد أفضل من تلك الفائدة التي ذكرها المسعودي في كتابه “مروج الذهب” لأختم بها مقالي:

“وكان من عادة المرأة العربيَّة ألا تنوِّم ولدها وهو يبكي، خوف أن يسري الهمُّ في جسمه، ويدبَّ في عُروقه، ولكنّها كانت تنازعه وتُضاحكه حتى ينام وهو فرح مسرور، فينمو جسده ويصفو لونه ودمه، ويُشف عقله”.

ورجائي أن تكون قصة قبل النوم هي ما تُسعد أبنائي قبل نومهم، وتزيل عن قلوبهم الغضة شقاء يومهم، وأي تقصير مني في حقهم.

 المراجع:

1- (Lemoine, Levy, & Hutchison, 1993)

2- Society for Research in Child Development. (2014, July 24). Stronger early reading skills predict higher intelligence later. ScienceDaily.