القراءة في مرحلة المراهقة.. ضرورة أم رفاهية؟

حبّ القراءة يعني استبدال ساعات السأم بساعات المتعة؛ فالخيال الأدبي يسمح للمراهق بالهروب من واقع شديد الوطأة، وأجواء المكتبة، سواء الحية أو الإلكترونية، تتميز بتنوّعها واختلاف تخصُّصاتها، ومجالات القراءة فيها تسمح بإيجاد علاقات مسالمة وهادئة؛ فالقراءة تسمح للمراهق بأن يصل لمكان آخر بعيد عن الواقع الذي قد يتصارع معه أو يرفضه، فيذهب عبر الكتاب لعالم لا صراع فيه، وإلى منطقة هادئة، حيث يُشكل الإنسان نفسه كموضوع.

أهمية القراءة في مرحلة المراهقة

القراءة تسمح بقطع العلاقة مع الوسط المُعتاد، ليس هروبًا منه، بل ابتعادًا عن الواقع في سن تنتاب خلالها المراهق تغيرات جذرية سلوكية، وأفكار سلبية وعاطفية. ويحتاج المراهق إلى القراءة لاستعادة التوازن، بدلًا من اللجوء لأحلام اليقظة التي تجعله لا يتحرك ولا يحدد هدفًا واضحًا لحياته، بل تجعله خاملا لا يريد الحركة، ويفتقد للطاقة والأمل في الحياة.

ولكن، مع كل هذه التغيرات، يلجأ المراهق للقراءة كملاذ للتعبير عن مشاعره، تتوقف بها أفكاره السلبية، ويُعوَّض عنها بأفكار بديلة لها علاقة بقراءته، ويستطيع من خلال القراءة أيضًا تحديد هدف واضح لمستقبله، وماذا يريد أن يكون، وما عليه سوى أن يتعلم مهارات حتى يصبح ما يحب أن يكون عليه، أو حتى يصل لهدفه بشكل أسرع.

طبيعة مرحلة المراهقة 

المراهقة من أصعب مراحل التربية؛ فالمراهق يبحث عن الخصوصية، يستقل بنفسه، ويتمرّد على القواعد والقيود. ويتوجب علينا فهم طبيعة هذه المرحلة، ومعرفة ما يمر به المراهق من تغيرات جذرية ومفاجئة في سلوكياته وأفكاره المختلفة، حيث يفكر معظم المراهقين في هذه المرحلة كثيرًا، وأحيانًا لا تتوقف عقولهم عن التفكير، وغالبًا تكون أفكارهم سلبية فيما يخص ثقتهم بأنفسهم، أو نظرتهم للمجتمع، أو للحياة بشكل عام، فضلًا عن تغيراتهم المزاجية التي تكون حادّة ومتطرفة في كثير من الأحيان؛ فتقلُّب المزاج لديهم سمة مرحلة، من فرح شديد لحزن شديد وبكاء بدون سبب واضح، وصولًا إلى التغيرات الجسدية التي يرفضونها من كبر أو صغر حجمهم، أو علاقتهم بأجسادهم وملامح وجوههم، وتظهر في قلة الثقة بالنفس، والحرج والتوتر أثناء وجود الآخرين. 

وإذا أكملنا الحديث عن طبيعة مرحلة المراهقة، فلن يتسع المقال لذكر التغيرات المختلفة التي تطرأ على المراهقين، لكن كان لا بد من عرض طبيعة المرحلة لمعرفة حجم الضغوط التي تعتري المراهق، سواء من الأصدقاء، أو لكونه مختلفا، أو نتيجة تعرضه لقسوة الآخرين لعدم قدرته على التعبير عن نفسه، وحرص المراهق على الفوز بالقبول وخوفه من الرفض، ومشاعر الخوف التي تتحول إلى حيرة وقلق وتوتر. ومن الصعب التكيّف مع كل هذه المتغيرات التي تطرأ بشكل مفاجئ، في التعامل مع مشاعر وأفكار المراهق، حيث يصعب الأمر على المراهق نفسه، ويصبح- بالتأكيد- أصعب على المربّي المسؤول عن المراهق.

القراءة كملاذ آمن في مواجهة الواقع

لا نستطيع أن نُجنِّب المراهقين الاضطرابات العاطفية التي يمرون بها، أو نجعلهم يتوقفون عن التفكير بشكل سلبي، أو يتوقفون عن الانغماس في أحلام اليقظة وقبول واقعهم، ولكننا نحاول أن نربط المراهق بالقراءة، حيث يأمن المربّي على المراهق من صحبة السوء وتأثيرها عليه، ومن اللجوء لتجارب تؤثر على مستقبله.

وبما أنها مرحلة تأسيس الهُوية الشخصية والنزوع للاستقلالية، حيث يرفض المراهق ضغط الأهل لجعله أكثر اهتمامًا بالقراءة والالتزام بها، فإن التحفيز والتشجيع هما الطريق الوحيد لجعله يقرأ.

ويفضل الكثير من المراهقين التعرّف على الحياة من خلال السماع والتجربة المباشرة، ويعتقد المراهقون أن القراءة لن تضيف لهم الكثير، ويرون أن العقل والذكاء هما المهمان، وليست القصص والحكايات، بالإضافة إلي الإنترنت ووسائله الممتعة في التثقيف. ولأن الأهل يضغطون على المراهق لإلزامه بالقراءة والبعد عن الإنترنت، ولأنه يرفض الضغط، فإنه يتعامل مع الأهل بشكل معاكس؛ فيقترب أكثر من الإنترنت، ويبعد أكثر عن القراءة.

وبذلك، يجب تحفيزه بدون ضغط، وتحديد وقت لاستخدام الإنترنت، بحزم وليس بقسوة، وشراء كتب له بعد استشارة تربويين متخصِّصين في هذه المرحلة، فالمراهقون ينجذبون لأدب البطولات، وأخبار الجرائم والمغامرات، وتطوير الذات، مع ضرورة وجود مكتبة داخل المنزل.

وهناك أفكار واقتراحات للتشجيع على القراءة، مثل قراءة كتاب يقرؤه كل أفراد الأسرة ومناقشته مرة كل شهر، حيث يختار كل فرد مرة الكتاب الذي تقرؤه الأسرة، وتُعقد جلسة أسرية لتقريب المسافات بين المراهق وأسرته، وبذلك يستجيب المراهق لتحفيزك وتشجعيك وقواعدك داخل المنزل.

وللحفاظ على علاقتك بابنك المراهق؛ حتى يسمع ويقبل ويناقش معك أي موضوع أو مقترح، إليك هذه الخطوات العمليّة:
أولًا: اترك مساحة نقاش بينك وبينه واسمعه.
ثانيًا: أعطِ مساحة للأخطاء وتغافل عنها.
ثالثًا: اقبل اختلافه وطبيعة مرحلته.
رابعًا: لا تحرجه أمام أصدقائه أو حتى إخوته.
خامسًا: احترمه وأعطه جزءًا من الخصوصية.
سادسًا: اعتمد عليه وحمِّله المسؤولية. 
سابعًا: أخبره دائما أنك تثق به وبقراراته.
ثامنًا : اُخرج معه بمفرده لتقترب منه.
تاسعًا: ركِّز على مميزاته.
عاشرًا: ابتعد عن المقارنة بينه وبين أي شخص كان من كان.

القراءة كسلاح في زمن الحرب

لا تتوقف الأبحاث العلمية عن البحث والتأكيد على أهمية القراءة وأثرها على الفرد والمجتمع، لكن ما يهمنا في هذا المقال هو دراسة فرنسية مثيرة للإهتمام، تحدثت عن أهمية قراءة الأدب بالنسبة للمراهقين، وقد تم إجراء هذه الدراسة تأثُّرًا بكتاب أصدرته أستاذة علم النفس الأمريكية “ماريا روثنبروغ” المتخصِّصة بعلاج الأطفال الذين يعانون من صعوبات نفسية أو عقلية، أو الأطفال الذين يعيشون أوضاعًا اجتماعية صعبة. 

تتحدث الدراسة عن القراءة وأهميتها للمراهقين الذين يواجهون صعوبات كبيرة، مثل الطبقات المهمَّشة، أو الذين يمرون بحروب، وغيرها من الصعوبات التي تعاني منها كثير من المناطق.

وجدت الدراسة أن المراهقين من الطبقات المُهمَّشة الذين لديهم صعوبات حياتية متعددة، تساعدهم القراءة على أن ينجوا نفسيّا، وتجعلهم يهربون لعالم الخيال الذي يجعلهم ينتجون ويتألقون في البلدان المختلفة التي قد يلجؤون إليها، وأن الكتاب يصبح الباب الوحيد الذي يُمكِّنهم من تجاوز عتبة المعاناة والظروف القاسية نحو الحرية.

الطفلة شام في مواجهة واقع شديد الوطأة

لنا في الطفلة (شام) خير مثال، حيث أصيبت بشظايا في رأسها إثر انفجار سيارة أودت بحياة والدها في مدينة حلب السورية، وتخطّت الصعوبات والحرب، وأنشأت عالمًا من الخيال لتعيش داخله، وتنجو من الأحداث التي تقابلها بالقراءة، حتى حصلت على جائزة تحدّي القراءة العربي في دورته السادسة بدبي، بينما الفئات الأخرى التي تحيا حياة طبيعية، تكون القراءة بالنسبة لهم بابًا من بين أبواب أخرى.

إن المراهقين الذين يعيشون أوضاعًا نفسية واجتماعية صعبة، يستطيعون عبر قراءة الأدب أن يجدوا أوضاعًا مشابهة لأوضاعهم، وأن يخرجوا من قوقعة المعاناة التي يعيشون بها إلى عوالم أخرى، كما تصبح لديهم القدرة على الحلم، وعلى تشكيل مشروع مستقبلي خاص بهم.

والنتيجة نفسها توصلت لها دراسة في كولومبيا، وهي أن الأطفال الذين لديهم طفولة ضائعة أو مشوَّشة، أعطتهم القراءة الأمل والقدرة على تشكيل حياة أخرى لها آفاق مستقبلية.

وفي النهاية، تذكَّر أن المراهق ليس شخصًا مكتمل النمو والنضج العقلي والمعرفي، ولكن عقله يستمر في التغيير والنُّضج في هذه المرحلة، ولا تزال هناك اختلافات كثيرة بين تفكير الشاب في سن المراهقة المتوسطة، وتفكير الشخص البالغ، حتى إننا نجد اختلافًا في بداية مرحلة المراهقة (المراهقة المبكرة)، عن منتصف المرحلة (المراهقة المتوسطة)، عن حتى مرحلة المراهقة المتأخرة.

ويرجع الكثير من هذا إلى أن الفصوص الأمامية هي آخر منطقة تنضج في الدماغ، ولا يكتمل نموها حتى يبلغ الشخص العشرينات من عمره. ويلعب الفص الأمامي دورًا مهمًّا في تنسيق اتخاذ القرارات المعقدة، والتحكم في الانفعالات، والقدرة على النظر في الخيارات والعواقب المختلفة. 

المراجع

– عبد الكريم بكار، 1431، طفل يقرأ، ط 5،  دار وجوه للنشر والتوزيع، السعودية.

– ألين مازليش، أديل فابر، أيهم الصباغ، 1440، كيف تتحدث فيصغي المراهقون إليك وتصغي إليهم عندما يتحدثون؟
ط 5، شركة العبيكان للتعليم، الرياض.

– قراءة نقدية في تأثير الأدب على المراهقين.

https://bit.ly/3Pwnmvn

https://bit.ly/3Pwnmvn