كليلة ودمنة

ماذا تعرف عن كتاب “كليلة ودمنة”؟

يفخر القارئ العربي بوجود كتاب “كليلة ودمنة” ضمن التراث العربي، والذي تمت ترجمته من الفارسية إلى العربية على يد عبد الله بن المقفع. 

في عام 323 قبل الميلاد، كان هناك ملك يدعى (الإسكندر الرومي ذو القرنين)، وقد امتد مُلك هذا الملك من الشرق إلى الغرب، وغزا الكثير من البلاد، وعندما وصل إلى الهند، وجد عليها ملكا قويا مهيبا، رفض أن يستسلم بسهولة، لكن بعد قتال طويل بينهما، هُزم ملك الهند وانتصر الإسكندر واستكمل غزوه بعد أن وضع على الهند حاكمًا من رجاله. 

رفض أهل الهند هذا الحاكم وقالوا “لا يحكمنا إلا رجل من أهل الهند”؛ فخلعوه وولَّوا عليهم أحد أولاد ملوكهم، وهو شخص يدعى (دَبْشليم). 

كان دَبْشليم في البداية حاكمًا عادلًا محبًا لشعبه، لكنه مع الوقت طغى وتجبّر فتذمر الناس منه، لكن لم يستطع أحد  التكلم عنه بسوء، أو الوقوف في وجهه؛ لشدة بطشه.


دَبْشليم والحكيم بَيْدبا

في ذلك الوقت، كان هناك شخص حكيم يدعى (بَيْدَبا)، وكان لديه مجموعة من الطلاب يعلّمهم ويدرّسهم. وفي أحد الأيام، اجتمع بَيْدَبا بطلابه وأخبرهم بأن هذا الحاكم طغى وتجبّر ولا حلّ سوى أن نتكلم معه وننصحه. 

حذّر الطلاب معلمهم من ذلك وقالوا: من دخل على الأسد في عرينه لم يأمن وثْبَتَهُ، لكن بَيْدَبا كان مُصِّرا على الدخول عليه ونصحه. وبالفعل ذهب بَيْدبا إلى الحاكم دَبْشليم، ودخل عليه، ثم أكثر من ثنائه ومدحه، وبعد ذلك بدأ بالكلام الذي فجّر غضب الملك عليه، فقد قال: لقد طغيت وبغيت وعتوت على الرعية، وأسأت السيرة، وعَظُمَت منك البليّة، وكان الأولى بك أن تسلك سبيل أسلافك، وتتَّبِع محاسن ما أبقوه لك، وتسنّ للرعية سنن الخير؛ فتعمل عملًا يبقى ذكره بعدك. ثم أكمل كلامًا طويًلا ينصحه فيه ويعظه؛ فثار الملك بعد ذلك على الحكيم بَيْدبا وأمر بسجنه. 

وخلال الفترة التي كان فيها بَيْدبا في السجن، أعاد دَبْشليم التفكير مليًّا بكلامه وقال: لم ينصحني أحد هذا النصح المباشر سوى بَيْدبا. لا بدّ أنه ناصح صادق؛ فلم يكن يريد أجرًا على ذلك. ثم قرّر أن يطلق سراحه، وبعدها عيّنه وزيرًا عنده وقال له: عندما أتيت لنصحي، قلت بأنه عليَّ أن أعمل عملًا يبقى ذكره بعدي، لذلك أطلب منك أن تكتب كتابًا فيه من الحكمة ما يجعله يبقى أجيالًا وأجيالًا.  قال بَيْدبا: حسنًا، سأكتب كتابا يخلِّد ذكرك ويبقى في الهند أجيالًا، لكن أمهلني سنة.

منحه دَبْشليم سنة كاملة، كتب خلالها بَيْدبا كتاب كليلة ودمنة، وهو كتاب يحكي قصة في بطن قصة في بطن قصة، على لسان الحيوانات. وهو كتاب مليء بالعبر والمعاني. 

كوفئ بَيْدبا على هذا العمل العظيم الذي تم تخليد الملك فيه، وكان مفخرة للهند، وتم حفظ الكتاب في خزائن قصر الملك؛ لمنعه من الاستنساخ والسرقة.


طمع كِسرى في الكتاب

في هذه الأثناء، كان في بلاد فارس حاكم يدعى (كِسرى أنوشروان)، وقد كان عاشقًا للكتب محبًّا للعلم والثقافة والأدب. 

وصل إلى مسامع كسرى أن هناك كتابًا اسمه (كليلة ودمنة)، وأنه كتاب مليء بالحكمة ومحفوظ في خزائن الهند. طَمِعَ كسرى في هذا الكتاب، وأراد أن يكون عنده في بلاد فارس، فطلب من وزيره أن يرسل إلى الهند شخصًا عالمًا باللغتين الهندية والفارسية معًا. بحث الوزير عن هذا الشخص، ثم وجد شخصًا عالمًا باللغتين يدعى (بَرْزَوِيه).

ذهب بَرْزَوِيه إلى بلاد الهند متخفيًّا، فتعرَّف على بعض الناس هناك، وصادق عددًا منهم، ثم وصلت معارفه إلى شخص من حرّاس خزائن القصر، فصادقه فترة من الزمن، ثم أخبره بأنه يريد استنساخ كتاب كليلة ودمنة. قام الحارس بفتح الخزنة أمامه، وسمح له أن يستنسخ الكتاب كاملًا، فنسخه بَرْزَوِيه ثم ترجمه من الهندية إلى الفارسية، ثم عاد إلى بلاد فارس ومعه الكتاب باللغة الفارسية وبقي هناك الكتاب. 

بعد سنوات عديدة، تحديدًا في القرن الثاني الهجري والثامن للميلاد، قام شخص فارسي يدعى عبد الله بن المقفع بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، وهو شخص عالم باللغتين العربية والفارسية، وله العديد من المؤلفات باللغتين.

عن الكتاب

يتألف كتاب كليلة ودمنة من خمسة عشر بابا رئيسيّا، تضمّ العديد من القصص التي أبطالها من الحيوانات؛ الأسد الذي يلعب دور الملك، وخادمه الثور الذي يُدعى «شَتْربة»، بالإضافة إلى اثنين من ابن آوى وهما “كليلة” و”دمنة”. 

كما يتضمن الكتاب أربعة أبواب أخرى جاءت في أولى صفحات الكتاب، وهي: باب مقدمة الكتاب، وباب بعثة بَرْزَوِيه إلى بلاد الهند، وباب عرض الكتاب، ترجمة عبد الله بن المقفع، وباب بَرْزَوِيه، ترجمة بُزِرجِمِهْر بن البَخْتكان. 

وقد لعبت النسخة العربية من الكتاب دورا رئيسيّا مهمّا في انتشاره ونقله إلى لغات العالم، إما عن طريق النص العربي مباشرة، أو عن طريق لغات وسيطة أُخِذت عن النص العربي.  ويصنّف النقاد العرب القدامى كتاب كليلة ودمنة في الطبقة الأولى من کتب العرب، ويجعلونه أحد الكتب الأربعة الممتازة إلى جانب: الكامل للمُبَرِّد، والبيان والتبيين للجاحظ، والعمدة لابن رشيق.


والآن، تود مكتبة “نوري” معرفة هل سبق لكم قراءة بعض قصص “كليلة ودمنة”؟ وأيّ القصص أعجبتكم؟