كيف نقرأ رسوم القصة المصوَّرة؟

عرض شهر ديسمبر تخفيض إضافي 5% على الاشتراك السنوي

كم مرَّة أخذت أطفالك لمكتبة أو لمعرض الكتاب لقراءة وشراء الكتب المصوَّرة؟

كم مرَّة تجولتم في تطبيقات القراءة للبحث عن قصة جديدة؟

ما هو أول ما يلفت نظر طفلك.. نص القصة أم رسومها؟

الرسوم في القصص المصوَّرة لا تقلُّ أهمية عن النصِّ أبدًا؛ فهي جزء من القصة، وليست فقط ترجمة للنص في صورة بصرية، إنما هي مُكمِّلة له.

هل لا بدّ أن أكون فنانًا لأتذوق الفنون؟

عزيزي ولي الأمر.. ليس من المطلوب أن نكون على دراية بالمدارس الفنية والأساليب والتقنيات المختلفة، أو أن تكون لدينا معرفة بأسس الرسم والتصميم لقراءة الرسوم؛ فنحن لن نقرأها أو ننقدها من منظور أكاديمي، إنما نحن هنا فقط لتذوق الرسوم، واستغلالها في فتح باب نقاش مع الطفل.. باب يُدخله عالم القصة ليعيش مع تفاصيلها؛ حتى ينعكس عليه شعور اجتهد الكاتب والرسام كي ينقله إليه.

أنت الآن في المكتبة وحولك الكثير من الكتب، وتتنافس الأغلفة في لفت انتباهك وانتباه الطفل القارئ. ستلاحظ اختلاف أساليب الرسم اختلافًا كبيرًا جدًّا، وهذا شيء جيد جدًّا؛ فلكل فئة عمرية نوعية من الرسوم تلاءمها أكثر من غيرها، فكلما كانت السن صغيرة، كفئة الطفولة المبكرة، تكون العناصر كبيرة، والألوان زاهية، ولا تحتوي الرسوم على تفاصيل، وتكون الخلفيات بيضاء في الغالب، وكلما أصبحت المرحلة العمرية أكبر، تزداد التفاصيل، وتكون الرسوم أكثر حركة. 

لن أرشح لك نوعية رسوم أكثر من غيرها، فهذه ذائقة شخصية تختلف من طفل لآخر، وربما تكون الرسوم لكبار الفنانين التشكيليين، لكنها لا تجذب انتباه الطفل، فأترك لطفلك مساحة للاختيار مع التوجيه.

لا تشترِ هذا الكتاب!

نعم، لم أرشح لك نوعًا معينًا للكتب، أو رسامًا معينًا تقتني كتبًا من رسومه، ولكن هناك نوعية من الرسوم لا أرشِّحها أبدًا، ويفضَّل ألا نقتني قصصًا من هذا النوع.

تلك القصص التي ربما لا تجد اسم الرسام على أغلفتها، وفي بعض الأحيان تجده، هي التي تفتحها فتجدها عبارة عن قص ولصق لصور من مواقع غير مرتبطة ببعضها، كأن تجد رسمة بيت من إنجلترا بجوار نهر النيل في مصر، أو  طفلًا يلبس ملابس شتوية بجوار آخر بملابس صيفية، دون مبرر في النص، أو  يكون فيها ملابس غير لائقة، أو مشهد دموي، أو لا تعرف أن للوجوه مشاعر مختلفة، وكأن الرسمة دمية بلاستيكية، فنفس الشخصية منسوخة في كل الصفحات بنفس تعبيرات الوجه، وفي حين يشير النص إلى شعور بالفرح أو بالحزن أو بالغضب، تظل الشخصية بنفس علامات الوجه. 

في مثل هذه الحالات الأفضل ألا تشتري هذا الكتاب.

كيف نقرأ التفاصيل؟

عرفنا الآن ما نوعية الكتب التي لا يفضل اقتناؤها، وعدا ذلك، فكل قصة هي فرصة كبيرة لنتعلم ونتأمل ونستمتع برسومها. 

لم أفكر كثيرًا في اختيار رسام لعرض نماذجه رغم إعجابي بالكثير من الرسامين، ولكن يبقى الفنان علي الزيني من أكثر الفنانين الذين يجذبونك جذبًا، حيث تُدخلك رسومه عالمًا ساحرًا، وكأنك تشاهد فيلمًا كرتونيّا متحركًا، وليس مجرد صور في قصة. 

وهنا نعرض نماذج للتطبيق

صورة يمكنك سماعها.. “جدوووووو” 

في قصة “مرة واحدة” الصادرة عن دار عالية، تأليف منار هزاع، ورسوم علي الزيني، تظهر في الرسمة نانا وفمها مفتوح عن آخره، ولم يخبرنا النص بأن نانا كان صوتها عاليا، ولكن الرسمة أخبرتنا بذلك، وعندما قرأنا الكلمة قرأناها بصوت عالٍ، عالٍ جدًّا؛ لأن الرسم نقل لنا شكل نانا، وبالتالي تقمَّصنا دور نانا، وبأعلى صوت نادينا “جدووووو”. 

لذا، عندما تقرأ القصة، اجعل الحكواتي الذي بداخلك يدخل عالم الرسمة؛ حتى ينقل القصة بكل مشاعرها، وبأصواتها المختلفة والمتنوعة.

قصة ولغز 

عند تأمُّلنا تفاصيل قصة “مرة واحدة”، سنلاحظ ظهور السُّلَحفاة في معظم الصفحات تقريبًا، فنجد بذلك لعبة لطيفة في أن نبحث عن هذه السُّلَحفاة، رغم أن النص أو إرشادات الكتاب لم تخبرنا بذلك، وإنما مع ملاحظة الرسوم نكتشف ما لم يخبرنا به النص.

آسف.. ولكن هناك خطأ في الرسمة

أثناء قراءتنا قصة “مرة واحدة” لاحظنا خطأ في الرسمة، وهذه مهارة رائعة من الجيد أن يكتسبها الأطفال، وهي ملاحظة الخطأ. لا أعرف إن كان هذا الخطأ مقصودًا أم لا، ولكنها كانت فرصة رائعة للمناقشة. فعلى عكس العَلَم الذي كان مرسومًا بشكل صحيح على الغلاف، ظهر علم  مصر في آخر صفحة بدون نسر، فهل كان الرسام يريد منا أن نتفاعل مع نانا ونخبرها أنها نسيت إضافة النسر للأعلام التي صنعتها؟ تساءلنا عن السبب، وأكملنا الحوار، وسألنا: علم مصر بدون نسر يصبح علم دولة أخرى، من يعرف أي دولة؟ وكانت الإجابة: “اليمن”. ومن هنا بدأنا مناقشة الأعلام وأشكالها، وبدأنا موضوعًا جديدًا تمامًا؛ بسبب خطأ في الرسمة.

بالتأكيد، تختلف هذه الأخطاء عن أخطاء القصص الأخرى التي حذرنا منها، فيمكن أن نسميها أخطاء تدفعنا للتعلُّم. 

صادفت ابنتي خطأ آخر في قصة “أبو قدري الأثري”، فنادت عليَّ وقالت: ماما، هناك خطأ في الرسمة. تأملت الرسمة، وركزت كثيرًا حتى أعرف الخطأ، وأخبرتني ابنتي أن الخطأ في كلمة “إسعاف” المكتوبة على السيارة بشكل خاطئ، حيث يفترض أن تكتب بشكل معكوس، وكان هذا بابًا لنقاش جديد.

تفاصيل التفاصيل 

في قصة “هنا وشفا” الصادرة عن دار الشروق، تأليف هديل غنيم، ورسوم علي الزيني، ظهرت تفاصيل كثيرة يمكن أن نستخدمها للتعرُّف على بيئة مختلفة للعودة إلى زمن آخر. اسأل طفلك: هل تعلم ما هو “الهون”؟ هل أمسك بيد الهون من قبل، أو خرط بمخرطة، أو بشر بمبشرة، أو حتى فرم بمفرمة؟ ربما لا، ولكن في صورة مثل هذه، يمكنه أن يشاهد أدوات المطبخ القديمة التي أغنتنا عنها آلات واختراعات حديثة. 

كما يمكن فتح الحديث عن طعامنا المفضل، أو عن تجفيف الطعام، أو عن أدوات القياس، والكثير  والكثير من خلال صورة واحدة نحكي تفاصيلها بكل تأنٍّ، وربما تجعلنا نتشارك آراء، ونسرد ذكريات، وننتقل بين بيئات مختلفة.

الصورة الصامتة 

ربما تشتري كتابًا صامتًا، أو تقابل صفحة صامتة في إحدى القصص، فتكون فرصة رائعة لتطوير أسلوب طفلك في التعبير عن قراءته للصور، مثل الصفحة الأخيرة في قصة ” 70 كيلو” الصادرة عن دار نشر عالية، تأليف وئام أحمد، ورسوم علي الزيني، فكيف أقرأ هذه الصفحة وهي بدون نص.

في هذه الحالة، اترك المجال لطفلك يحكي لك الأحداث، وتأمل العناصر جيدًا، وناقشها معه، واسأل: وماذا بعد؟ جاءت الصفحة هنا وكأنها نهاية سعيدة للقصة، وبداية لقصة أخرى، فنغلق الكتاب ولكن لا نغلق باب قلوبنا الذي ملأته المشاعر، ولا باب عقلنا الذي لا زال يفكر في.. ماذا بعد؟

وهل لا بد من التفاصيل؟

لو اشتريت كتابًا ذا رسوم بسيطة لا تملؤها التفاصيل، فهل هذا كتاب غير جيد؟

بالتأكيد لا؛ فجمال الرسم لا يتعلق بكثرة التفاصيل، خاصة في الفئة العمرية الصغيرة التي تكون رسومها مجردة وبدون تفاصيل، والمهم أن تنقل الصورة شعورًا ما تأخذك لعالمه، وحينها سيكمل خيالك كل التفاصيل. 

نرى هذا أيضًا في قصة “من أنا؟”، تأليف هيا قاسم، ورسوم علي الزيني، فبالرغم من بساطة الرسوم فإنها مليئة بمشاعر كثيرة، فلا تقلب الصفحة قبل أن تتأمل الرسمة وتعيش مع تلك المشاعر.

أنا مثلكم تمامًا

لاحظنا في الآونة الأخيرة وجود وتمثيل الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة “القادرين باختلاف”، وظهورهم كجزء طبيعي من المجتمع، وليس كبطل خارق أو شخص ذا نقص، بل كإنسان عادي، وهذا ما نلاحظه في غلاف قصة “من أخذ شطيرتي؟” الصادرة عن دار السلوى، تأليف تغريد النجار، ورسوم علي الزيني.

لذا عند مصادفة مثل هذه النماذج الجميلة، تأكد أن وجودها شيء طبيعي، وأن من يعاني من إعاقة لا يحتاج منا سوى تقبل هذا الاختلاف ودمجه داخل المجتمع العادي.

قصة ونشاط

وقت القصة لا يقتصر على أن نفتح الكتاب نقرأه ونغلقه، إنما في بعض الأحيان يحتاج إلى تحضير نشاط معين يربط الطفل أكثر بالقراءة والحكي، إما قبل القراءة كتحضير دمى بأي خامات متاحة، أو بعدها برسم مشاهد من القصة أو تصميم غلاف مختلف لها والكثير من الأنشطة التي نعرضها في موضوع آخر.

وفي النهاية، لا يتوجَّب أن تكون لدينا قدرات خارقة لخلق وقت مميز مع الأطفال، ولا أن نحضر الكثير من الخامات والأدوات، أو شراء الكثير من القصص باهظة الثمن، حيث يكفيك أن تصفي قلبك وذهنك لتبدأ، وبالتأكيد سيكون من الرائع لنا وللأطفال أن نشاركهم هذه اللحظات.

ولا تنسَ عندما تقرأ النص أن تقرأ وتتأمل وتحلل وتعدل وتتفاعل وتعيش مع الرسوم.