كيف يحكي طفلي قصة؟

عرض شهر نوفمبر تخفيض إضافي 5% على الاشتراك السنوي

أتذكَّر في إحدى ورش الحكي، جلست مع خمسة أطفال دون 7 سنوات، وبمجرد أن انتهيت من قصِّ الحكاية، سألتهم: من يستطيع أن يعيد حَكْي القصة مرة أخرى بطريقته؟

أربعة منهم غاصوا في مقاعدهم وارتسمت على وجوههم ابتسامات خجولة. بنت واحدة منهم همست: “سأجرب”. كانت الأصغر عمرًا بينهم، شجعتها؛ فبدأت تحكي ببطء سرعان ما تحول لحماس لم نعرف معه كيف ننهي جلسة الحَكْي. كانت مدهشة.

مرّت سنوات وصِرت أمًّا لفتاة وصبي، وحينها فقط أدركت أن هناك نوعين من الأطفال؛ طفل حكَّاء بالفطرة، بمجرد اكتسابه مهارة الكلام، يمكنه أن يسرد عشرات القصص حول يومه وعالمه وعوالم خيالية لم تطَئْها قدماه، وطفل لا يمتلك هذه القدرة، ولم يصل بعد لمفاتيح الكلام والحَكْي عمَّا يشعر به ويعيشه، ولكن يمكنه اكتساب هذه المهارة ببعض التمارين والتشجيع المستمر.

ما أهمية تعليم الأطفال مهارة الحَكْي؟

تعليم الأطفال مهارة الحَكْي مهمٌّ في التطوُّر العامّ للأطفال، من خلال تعزيز خيالهم، وتعزيز تعلُّم اللغة بشكل خلَّاق، بالإضافة لما يلي:

  1. اكتسابهم الذكاء العاطفي مع أنفسهم والآخرين، من خلال القدرة على التعبير عن النفس والمشاعر بسلاسة.
  2. تعلُّم الحَكْي يساعد الطفل على سرد المواقف الحياتية التي يمر بها، ومن ثم يجعله أقلَّ عُرضةً للتنمُّر والتحرش والإيذاء النفسي والجسدي.
  3. اكتساب التفكير المنطقي والقدرة على الكتابة لاحقًا بأسلوب سلس ومفهوم مع ترتيب الأفكار.
  4. تخطِّي العقبات النفسية نتيجة صعوبة التعبير عن الرأي والمشاعر، وتعزيز المهارات الاجتماعية بالاندماج مع المجتمع والتطور.
  5. تعليم طفلك فوائد رواية القصص مهمٌّ في عالم اليوم؛ بسبب زيادة الطلب على التفاعل في شكل عروض تقديمية وخطابة عامَّة في المدارس.
  6. من المعروف أن الأطفال لديهم أسوأ مهارات للاستماع. إمَّا أنهم يدخلون بين المحادثة، أو ينتهي بهم الأمر بفقدان انتباههم وترك رؤوسهم تشرد في أفكار مختلفة. من خلال سرد القصص، يزداد مدى انتباههم، وبالتالي تُعزَّز مهارات الاستماع لديهم.
  7. شحذ ذاكرة الأطفال. بعد القراءة، اطرح عليهم أسئلة ذات صلة تجعلهم يتذكَّرون القصة، وتقيس  المعلومات التي احتفظوا بها، وقدرتهم على إعادة سردها مرة أخرى.
  8. تُمرِّن رواية القصص عضلة الإبداع لدى طفلك، كما أنه يَسْهُل عليهم فهم المعرفة في تعليمهم الأكاديمي وحياتهم الشخصية، غضافة إلى أن سرد القصص يُحسِّن تركيز طفلك في المدرسة.

كيف أساعد طفلي على اكتساب مهارة الحَكْي؟

اقرأ لطفلك. يحتاج الأهل إلى قضاء الكثير من الوقت في قراءة الكتب مع أطفالهم، والحَكْي لهم، وتشجيعهم على معاودة الحَكْي بطريقتهم؛ لجني الفوائد السابق ذكرها وأكثر.

يشجع الاستماع إلى القصص التفاعلية والجذَّابة طفلك الصغير على أن يصبح راويَ قصص بنفسه، أو حتى كتابة قصصه في يوم من الأيام عندما يتقن الكتابة.

لتساعد طفلك على اكتساب مهارة الحَكْي، لا تحتاج سوى شيئين.

أولًا: اِحكِ له قدر ما استطعت من القصص مختلفة الأنواع والاهتمامات والموضوعات.

ثانيًا: استمع له دون مقاطعة عندما يحكي لك أي شيء.

تعلَّم الجلوس والاستماع بينما يتحدث طفلك، حيث يمكن أن يخبرك ببساطة عن يومه في المدرسة، أو يروي لك حلم قتال التنين الخيالي المجنون الذي مر به الليلة الماضية. وظيفتك الوحيدة بعد أن تقرأ له، هي الاستماع بعناية إلى قصصة ودفعها للاستمرار، ومع التَّكرار والممارسة، سيصبح الأطفال رواة قصص بارعين يتمتعون بمهارة رائعة في السرد.

اسمح لطفلك باستكشاف اهتماماته. اصحبه للمكتبات ولجلسات الحَكْي والأنشطة التفاعليه. اجعله يختار كتبه بنفسه، ويعيد حَكْيها بالطريقة المحبَّبة له. بهذه الطريقة سيكون أكثر اهتمامًا بتعلُّم مهارات جديدة في القراءة ورواية القصص.

أعطِ طفلك مفاتيح الحَكْي التي سنتحدث عنها في الفقرة التالية، ولا تقلق، سيكمل هو الطريق.

تمارين ونصائح: كيف يحكي طفلي حكاية؟

تعليم الطفل مهارة الحَكْي يمرُّ بعدَّة خطوات ومراحل خاصة للأطفال الصغار من سن 4: 8 سنوات، وهي كالتالي:

1- علِّم طفلك معنى الحَكْي

أخبر طفلك أن الحَكْي يعني سرد مجموعة من الأحداث لها بداية ووسط ونهاية، وأعطِهِ مثالًا على ذلك بقصة يحبها، أو موقف حدث لك أو له خلال اليوم.

2- اطرح الأسئلة الاسترشادية والتحفيزية

إذا ارتبك طفلك ولم يعرف ماذا يحكي، ساعده بالأسئلة من وحي أحداث القصة. تذكَّر أنك إذا طرحت سؤالًا يمكن الإجابة عنه بكلمة واحدة (نعم، أو لا)، فإن ما ستحصل عليه في المقابل، إجابة من كلمة واحدة كذلك. حاول طرح أسئلة مفتوحة بدلًا من ذلك. مثال: (ماذا حدث؟ كيف حدث؟ هل كان هناك حل أفضل لما قام به البطل؟ من الشرير؟ ولماذا؟ وكيف حُلَّت المشكلة في النهاية؟).

3- المحاكاة وتمثيل الأدوار

رواية القصص ليست مجرد كلمات، إنها حركة أيضًا. أضف لمسة من الدراما إلى سرد القصة، وانهض وتحرك في أثناء الحَكْي. تمثيل أحداث وشخصيات الكتاب المحبَّب لطفلك وإحياؤها، سيساعد الطفل على تكوين اتصال شخصي أكثر بتلك الشخصيات، ومساعدته على تذكر الأحداث في القصة، ومن ثم إعادة الحَكْي على طريقته الخاصة لاحقًا.

4- اجعل رواية القصص شخصية

السرُّ السحريُّ لإشراك الأطفال في إعادة سرد ​​القصص بأنفسهم، هو محاولة اختيار الكتب ذات الشخصيات التي يمكن لأطفالك الارتباط بها، سواء كانت في نفس أعمارهم، أو تواجه مشاكل تهمهم، أو تمر بمغامرات يتمنون خوضها.

5- ليصنعوا قصَّتهم الخاصة

ساعد طفلك على تأليف قصته الخاصة، عن طريق كتابة قصص عن نفسه وأصدقائه وعائلته. اطلب منه إعادة حَكْي ما حدث في عطلة الصيف المفضَّلة له، أو الرحلة المدرسية التي انتظرها بفارغ الصبر. اجعله يحكي أحدات أفضل حفل عيد ميلاده له، كيف بدأ وانتهى.

6- ابدأ بقصص قصيرة

القصص القصيرة ذات الحبكات البسيطة سهلة التذكُّر للأطفال الصغار. أحداثها سريعة وواضحة وبسيطة، ومن ثم هي الأسهل والأكثر تشجيعًا للطفل على معاودة حَكْيها مرة أخرى بنفسه دون أن يحبط من نسيان الأحداث.

تمرين لتحفيز الطفل على إعادة الحَكْي خطوة بخطوة

  • اختر نصًّا خياليًّا أو غير خيالي (أو اسمح للطفل بالاختيار من بين خيارات محددة مسبقًا). يجب ألا يستغرق النص أكثر من ثلاث إلى خمس دقائق للقراءة بصوت عالٍ. تأكد من اختيار مستوى القراءة المناسب للطفل.
  • اشرح للطفل ما تتوقَّع منه أن يفعله. مثلًا: “اليوم سنقرأ قصة (التنين الطائر). بعد أن ننتهي من المرة الأولى ستعيد حَكْيها أنت لي مرَّة ثانية. يمكنك رسم الشرح على ورقة بالألوان كتذكير مرئي بالخطوات.
  • أدخل الطفل القصة. أخبره عمَّا إذا كان النص خياليًّا أم واقعيًّا. بعد ذلك اسأله: “ماذا تعرف عن هذا الموضوع”؟ أو “ما رأيك في الصور”؟
  • اقرأ النص، ولوِّن صوتك، وتوقَّف قليلًا خلال الأحداث؛ لتتأكد أن الطفل منتبه لك.
  • بعد الانتهاء، اطلب من الطفل إعادة سرد أوَّلية، سواء من خلال إعادة سرد الكلام شفهيًّا أو كتابيًّا، أو بالرسم. لا تستخدم أي دعم أو تذكير للطفل بأحداث القصة في هذه المرحلة. فقط هذا لقياس فهمه الأولي للنص، وما علق منه في ذاكرته.
  • ذكِّره بالأحداث مرة أخرى، واتركه يعيد الحَكْي من وجهة نظرة هذه المرة.
  • كرِّر هذا التمرين باستمرار، وفي إحدى المرَّات سيدهشك طفلك بقدرته على إعادة الحكي بطلاقة.

إعادة السرد مهارة معقدة تتطلب معرفة بِنية النص، وفهم المفردات، والقدرة على التذكُّر والتلخيص. إنها مهارة قيِّمة أيضًا ومهمَّة للأطفال. وَفقًا للأبحاث، فإن إعادة السرد تعزِّز الفهم، وتطوِّر المفردات والذاكرة لدى الطفل؛ لذلك فهي تستحق التمرُّن والمداومة والصبر في العمل عليها.

تذكَّر في المرة القادمة التي تقرأ فيها قصة لطفلك، وتطلب منه إعادة حَكْيها، أنك قد تكون بصدد تربية كاتب مستقبلي، أو محلل وناقد بارع، أو مخطط استراتيجي، أو متحدث عامّ وقائد ذي شعبية. من يعرف؟


المصادر:
  1. كتاب الأطفال يحكون القصص: Children Tell Stories: Teaching and Using Storytelling in the Classroom by: Martha Hamilton and Mitch Weiss
  2. دورة فن السرد القصصي المرئي للأطفال من جامعة نوتنج هيل- بريطانيا
  3. كتاب التربية الإيجابية للطفولة المبكرة By: Jane Nelsen and Lynn Lott