إشراف بن مراد: الأطفال شغفي ورسالتي وعالمي المليء بالأمل والأحلام

عرض شهر ديسمبر تخفيض إضافي 5% على الاشتراك السنوي

عندما أبدأ في الحديث عن علاقتي بالكتاب والقراءة والكتابة والطفل، أحب دومًا أن أستحضر ذكريات الطفولة، حيث تربَّيت في بيت جدّتي، وارتويت من حنانها وحكاياتها الماتعة.

إشراف بن مراد

للسيدة إشراف بن مراد (من تونس) تجربة ثرية ومتنوعة في العلاقة مع الكتاب والكتابة والطفل، نمت وتطورت وتشابكت خيوطها بشغف، منذ أن كانت طفلة تسمع حكايات جدّتها، إلى أن أصبحت أمًّا ثم ناشطة في مجال تربية الطفل وكاتبة للأطفال.

خاضت غمار ترغيب أطفالها الأربعة بالقراءة ومطالعة القصص، ومنها انتقلت لتقديم مراجعات للكتب من خلال قناة “بعيون قارئ” على اليوتيوب، واستشارات تربوية من خلال منصات تواصل أخرى، إضافة لإقامة ورش القراءة للأطفال واليافعين، وتواصَلَ مشوار الإبداع والعطاء لديها بإصدار عدد من كتب الأطفال مؤخرًا. إنها باختصار سيرة تستحق القراءة وتجربة جديرة بالاطلاع.


تحدثت الكاتبة التونسية في تصريحات خاصة لــ”مدونة نوري” عن حكايات جدّتها، وعدوى الكتابة، وحرصها على تشجيع أطفالها على تشارك تجربة القراءة، وغير ذلك الكثير، على النحو التالي:

حكايات جدَّتي

كانت جدّتي لا تكفُّ عن حكاياتها الجميلة كل ليلة.. أضع رأسي على رُكبَتِها، بينما يدها الحنونة تمسح على شعري. تحكي لي هي بكل إبداع، وأسافر أنا كل ليلة في خيالي إلى عوالم لا نهاية لها من الأبطال الخارقين، حيث ينتصر الخير دومًا على الشر.

أدمنت تلك الحكايات، ولم أكن أقبل بالتفريط فيها ولو لليلة واحدة. يمكن القول إنها هي التي شكّلت شخصيتي وتوجُّهي في هذه الحياة. ومن هنا تعلَّقت بالقصص والقراءة، ثم بالكتاب عندما التحقت بالمدرسة، حيث كان المعلمون يحرصون على حصة المطالعة، وكنا نتبارى نحن التلاميذ من يقرأ أكثر. كما كنا نستمتع بإثراء مكتبة القسم، حيث كان كل واحد منا يأتي بما يجود به من قصص، ثم يسترجعها نهاية العام الدراسي.

قناة “بعيون قارئ”

عندما كبرت اختلفت مطالعاتي، لكنّني لا أنكر أنها في أيام الجامعة ارتبطت خاصة بتخصُّصي في الدّراسة وهو الإعلام والاتصال؛ فابتعدت تدريجيًّا عن القراءات الحرة. ومع ذلك كنت مسكونة بحلم الكتابة، لكنّني لم أجد الفرصة المناسبة لأبدأ. وككل إنسان، نحن نخوض تغيرات عديدة، ونمر بمراحل مختلفة في حياتنا، ومع كل مرحلة نكتشف أنفسنا من جديد. عندما انتقلت للإقامة في دولة قطر، عدت من جديد إلى القراءة، وبالتحديد إلى الرّوايات، خاصة التي كنت أشعر أنها تؤنس غربتي، وازداد شغفي رفقة صديقتي الكاتبة والصحفية عائشة الإدريسي، حيث أنشأنا قناة على اليوتيوب بعنوان “بعيون قارئ”.

أطفالي والقراءة

في مرحلة تالية، ومع تعمُّق تجربتي كأم، وإدراكي التام لأهمية القراءة لإشباع شخصية الطفل بكل ما هو خير وإيجابي، وأهميتها في تربيته وصقل شخصيته، كنت حريصة على أن أؤنس وقت أولادي بكثير من القصص الجميلة، حيث كنت أقرأ لهم في أوقات مختلفة، لكنّني أعتقد أن الوقت الأكثر لذة كان ليلًا، حيث أرى أنّ أطفالي أكثر انسجامًا مع القصص، وتركيزًا مع أحداثها.

وكانت قراءة القصص مساحة للخيال الجميل، حيث كنت أحرص دومًا على الاستماع لآرائهم والتناغم مع تخيلاتهم، وماذا كانوا يفعلون لو كانوا مكان البطل أو تلك الشخصية. وبتعدُّد المسؤوليات، ولكوني أمًا لأربعة أطفال، عودَّتهم جميعًا على القراءة.

وعندما أكون مشغولة، أوكِل مهمة القراءة لأبنائي الصغار لإخوتهم الكبار، وهذا ساعدني جدًّا في استثمار الوقت وتحقيق أكثر من هدف، فأنا أشجعهم جميعًا على تشارك تجربة القراءة والعطاء والرسالة. ومع ذلك، ما زلت أحرص على أن أتشارك معهم أوقات القراءة، ليس فقط لأجلهم، ولكنّني لا أخفيكم سرَّا إن قلت لكم إنّني أفعل ذلك لأجلي أيضا؛ لأن تلك الأوقات تمنحني سعادة غامرة.

هذه السعادة جعلتني أحرص على تشاركها مع من حولي من الأمهات، فأحثهن على تشجيع أولادهن على القراءة، ثم اتّسعت دائرة إحساسي بالمسؤولية، وبدأت استثمر إمكانات وسائل التواصل الاجتماعي عبر مختلف المنصات لأتحدّث عن الكتب عمومًا، ومن بينها كتب الأطفال. وكم أكون سعيدة عندما يسألني أحدهم أو تسألني إحداهن عن مكان اقتناء قصة ما، كما قدمت عددًا من ورش القراءة للأطفال في عدد من الأمكنة.

مجموعة قراءة لليافعات

قبل جائحة كورونا، أسَّست أيضًا مجموعة قراءة لليافعات تراوحت أعمارهن تقريبًا من 10 إلى 16 سنة. كُنّ تقريبًا 12 فتاة اجتمعت معهن في مكتبة قطر الوطنية. جاء أغلبهن في موعدنا الأول بإيعاز من أمهاتهن، ولم يكنَّ راغبات في القدوم. استمعت لآرائهن بخصوص القراءة، ولا أخفيكم إحباطي وخوفي، فقد كنت أسأل نفسي: كيف يمكنني أن أجعل من فتاة تقول لي أنا أكره الكتاب محبة له؟ لم أناقش أي واحدة منهن في شعورها السلبي تجاه الكتاب، واحترمت رأيهن، حتى عندما قُلن لي إنّهن أتين بضغط من أمهاتهن. ومع ذلك، تحدَّيت نفسي وتحديتهن سرًّا، وعزمت على استكمال مهمتي، فلا مجال للتراجع، فأعطيتهن قصة مشوقة هي رواية “قصة شمسة” للتونسية وئام غداس، وقلت لهن: بعد شهر نلتقي لنناقشها.. أريد منكنّ فقط إعطائي فرصة لشهر واحد.

وبعد يومين من موعد اللقاء، اتصلت بي أغلب الأمهات يشكرنني؛ لأنهن شاهدن بناتهن تقرأن بشغف لأول مرة، وبدأنَ يسألنَنِي: هل هناك إمكانية لنلتقي سريعًا ونبدأ في قصة أخرى؟ ثم قدّر الله أن حلّت جائحة كورونا فتوقفنا عن الاجتماع. ومنذ فترة قريبة تواصلت معي الفتيات من جديد، وعبَّرن عن رغبتهن في استئناف هذا النشاط عن بعد، وإن شاء الله سنفعل ذلك.

هنا رسخت قاعدة عندي، وهي أن أبناءنا يحبون القراءة ولكنهم ينفرون من الكتب السيئة؛ فلنساعدهم على الوصول إلى الكتب الجيدة.

عدوى الكتابة

من يقرأ كثيرًا يُصاب بعدوى الكتابة، وهذه العدوى الجميلة أصابتني بكل سرور، فلمست في داخلي شغفًا بالكتابة للطفل.

أصدرت مؤخرًا ثلاث قصص من مجموعة بعنوان “كنز جدَّتي” وهي “مَن الخائن؟”، و”نحبك دون مقابل”، و”القنفذ صانع الحكايات”، حيث عملت من خلالها على أن أستحضر لذّة حكايات جدتي، وأرجو الله أن أكون قد وفقت.

وما أنا واثقة منه بعد هذه التجربة المتواضعة، هو أنني أحب أن أكتب، ولا أعرف إن كنت حقًّا كاتبة للطفل أم لا، لكنَّني سعيدة حقًّا بهذه التجربة.

كما كتبت مؤخرًا رواية لليافعين قيد النشر، استلهمتها من الاستشارات التربوية وتواصلي مع الآباء والأمهات، حيث توجَّهت في السنوات الأخيرة إلى تلقِّي تكوين يسمح لي بتقديم المساعدة للآباء والأمهات فيما يخص تربية أطفالهم، من خلال الاستشارات التي أقدمها بشكل تطوعي.

وختامًا، أعتذر عن الإطالة، لكنّني فعلًا وددت أن أتشارك معكم تجربتي المتواضعة، والتي اكتشفت من خلالها أنّ الطفل شغفي ورسالتي الحقيقية التي تنير حياتي بكثير من الأمل والأحلام الجميلة.